استضافت مصر فعاليات المؤتمر السنوي لممثلي مكاتب "الفاو" الإقليمية، الأسبوع الماضي ،وقد تم خلاله إنتخاب مصر لأول مرة فى تاريخ المنظمة منذ إنشائها بالإجماع لتكون رئيسا للمجلس التنفيذي للمنظمة التي يصل عمرها نحو 80 عاما "1945” لمده أربعة سنوات القادمة، بعد منافسة انتخابية شرسة ضمت 5 مرشحين من مختلف المجموعات الجغرافية بالمنظمة، من إفريقيا، وآسيا، وأمريكا الجنوبية، وأميركا الشمالية وأوروبا منهم وزراء ومسؤولين كبار لتلك الدول.
هنا نتساءل عن دلالة استضافةَ مصر للمؤتمر العالمي الثالث لممثلي منظمة الأغذية والزراعة، وانتخاب مصر رئيسا تنفيذيا لها ! الإجابة يجب النظر اليها بمفهوم اشمل من الفوز لانها تعكس معني الجمهورية الجديدة التي يقودها الرئيس السيسي ،وإعادة مصر لمكانتها الدوليه والإقليمية، وأنها تتحرك في الاتجاه الصحيح لتحقيق ذلك،وهو ما ظهر بوضوح ايضا عند انتخاب الدكتور خالد العناني مديرا عاما لمنظمة اليونسكو بعد محاولات تمت في السابق علي مدار سنوات ،ولم تنجح .
ما نريد رصده هنا آليات تلك الجمهورية بقيادة الرئيس السيسي في التعامل مع المفهوم الشامل للأمن القومي بتفاصيله المختلفة فعلي سبيل المثال من اهم النقاط التي يمكن رصدها لنتائج الاجتماع بين الرئيس السيسي وقائد الجيش الليبي خليفة حفتر ،وتم إعلانها في بيان رئاسي ضمن النقاط المعلنة للحوار مناقشة تطورات ملف ترسيم الحدود البحرية المشتركة بين مصر وليبيا ،حيث أكد الطرفان على أهمية استمرار التعاون لتحقيق مصلحة البلدين دون إحداث أي أضرار وفقًا لقواعد القانون الدولي بحسب بيان الرئاسة، كما اعلن رسميًا توافق الجانبان على أهمية استمرار التنسيق المشترك وفقًا لقواعد القانون الدولي بما يحقق مصالح البلدين لترسيم الحدود البحرية بشكل نهائي.
وترسيم الحدود بين البلدين له أهمية استراتيجية في شرق المتوسط،وهو من أعقد الملفات خاصة بعد اكتشافات البحوث الخاصة بثروات الغاز شرق المتوسط، (ضمن العوامل الرئيسية وراء اشتعال الصراعات بمنطقة الشرق الأوسط بما في ذلك ما حدث في سوريا،يضاف اليهم نفط السودان شماله وجنوبه)
..ويبقي أن نعلم أن حجم اكتشافات الغاز في شرق المتوسط يفرض على كل دولة حفظ حقوقها في ظل وجود لاعبين إقليميين طامعين في الاستحواذ على ثروات ليبيا، مما يفرض أهمية تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة (EEZ) لكل دولة.
وكلنا نتذكر قصة توقيع اتفاقية بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية في طرابلس (2019) لمذكرة تفاهم بحرية مع تركيا لترسيم الحدود البحرية بينهما،ورد الفعل المصري عليها بالرفض الواضح لها ،وحددت مصر الخط الأحمر بعدم تجاوز "سرت-الجفرة"، واعتبرت اتفاقية تركيا مع طرابلس انتهاكًا للمياه الإقليمية الليبية علاوة علي قيام مصر بتقديم مذكرة رسمية للأمم المتحدة ترفض فيها الترسيم التركي مع ليبيا اللي تبنته حكومة الوفاق الليبية، وكذلك إعلان مجلس النواب وحكومة الشرق الليبي، من ضمنها الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر (ومقره بنغازي)، رفض مجلس النواب الليبي (ومقره طبرق) اتفاقية تركيا وأعلن استعداده للتفاوض مع مصر واليونان وتركيا حول الحدود.
أيضا يمكن إلقاء الضوء علي تصريحات السفير المصري بروما بسام راضى خلال مشاركته في القمة رفيعة المستوى حول إدارة المياه بمنظمة الأغذية والزراعة «فاو»، الإثنين الماضي بمقرها بروما بحضور المدير العام للمنظمة ،وكبار المسؤولين والخبراء للحديث عن المشروعات القومية، والاستراتيجية التى تبناها الرئيس عبد الفتاح السيسى لتحديث منظومة إدارة موارد المياه في مصر،بدعوة من المنظمة حيث نجحت تصريحاته في كشف حقيقة أزمه السد الإثيوبي امام المشاركين المعنيين بملف المياه في العالم وكشفه للاستراتيجية الإثيوبية فى التعامل مع قضية السد بانها أصبحت «واضحة جدًا ومكشوفة للجميع»، وتعتمد على ترويج سرديات ومغالطات فى جميع المحافل الدولية، رغم قيام مصر بالعديد من المشروعات لتعظيم الاستفادة من نقطة المياه في نفس الوقت هناك ممارسات اثيوبية تعمل في الاتجاه المضاد.
وأوضح أن المغالطات التى تروجها إثيوبيا باستمرار أن «مصر ضد السد» عارية تمامًا من الصحة، مؤكدًا أنه لو كانت مصر ضد بناء السد، لما وقعت على اتفاق إعلان المبادئ فى مارس 2015، كما أنها لم تعارض السد من حيث المبدأ، شأنه شأن أى مشروع تنموي آخر يحقق التنمية الاقتصادية للشعوب ،لافتا إلى أن إعلان المبادئ كان يتضمن شرطا رئيسيًا بإبرام اتفاق قانوني ملزم خلال عام ونصف العام، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وأشار في تصريحاته أن حديث ممثل إثيوبيا خلال القمة بأن «مياه النيل لم تتأثر ولم تُمنع قطرة واحدة» مغالطة كبرى، و أن عدم تأثر مصر ليس بسبب حسن إدارة إثيوبيا للسد، ولكن «هبة» من الله سبحانه وتعالى الذى منح فيضانات فوق المتوسط لسنوات متتالية،وأن ما تعرضه إثيوبيا ليس اتفاقات، بل «بعض تفاهمات أو إخطار مسبق» بكيفية إدارتها للسد، مؤكدًا أنها صيغة «غير منضبطة وغير قانونية».
وشدد على أن مصر تطالب بعلاقة تعاقدية واتفاق قانوني ملزم يحكم العلاقة بين الدول وفقًا للقانون الدولي، لحماية حقوق الأجيال القادمة، لافتا إلى أن الإرادة والنية الإثيوبية غائبة.
وفي نفس السياق أوضح راضي، أن إثيوبيا تتحدث كذبًا عن جريان مياه النيل حتى الآن لمصر والسودان، مؤكدًا أن مصر نجحت في إدارة المياه، بينما لم تنجح إثيوبيا في إدارة السد حتى الآن و أن إثيوبيا لم تعرض أي اتفاقيات بشأن إدارة السد، كما أنها مستمرة في نشر الأكاذيب حول إدارة السد ،و أن الممارسات الإثيوبية غير الشرعية تؤثر على الأمن والاستقرار، خاصة أن نهر النيل يحمل مساحات كبيرة من الأخاء والود، وأنه يجمع كل دول حوض النيل على المحبة.
خارج النص:
إن مشاركة مصر فى الاجتماع الأخير للمجلس الوزاري لوزراء المياه بدول حوض النيل (مبادرة حوض النيل) الذي عقد بالعاصمة البورندية بوجمبورا يقدم إشاره واضحة لدول الحوض حرص مصر علي استمرار التعاون مع هذه الدول خاصة مع إطلاق العملية التشاورية ديسمبر الماضي لبحث شواغل الدول الأربع التي لم تنضم / تصدّق على الاتفاقية الإطارية،وانخراط مصر والمشاركة البنّاءة فيها وتؤكد لشركاء التنمية الدوليين بالمبادرة حرص مصر لاستعادة التعاون المشترك القائم على تحقيق المكاسب المتبادلة بين دول حوض النيل .
بقلم :
عصام الشيخ